{الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (3)} [يوسف: 12/ 1- 3].روى ابن جرير عن ابن مسعود: أن أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ملّوا ملّة، فقالوا:لو قصصت علينا يا رسول الله، فنزلت هذه الآية: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ}.ثم ملّوا ملّة أخرى، فقالوا: لو حدثتنا يا رسول الله، فنزلت: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23)} [الزّمر: 39/ 23].سمي القرآن قرآنا لأنه يقرأ، وهو اسم جنس يقع على القليل والكثير، وقال أبو عبيد: سمّي قرآنا لأنه يجمع السور، فيضمّها.وسميت سورة يوسف بأنها أحسن القصص لأسباب ذكرها العلماء منها: أن كل من ذكر فيها كان مآله إلى السعادة، يتبين ذلك من أحوال يوسف وأبيه وإخوته وامرأة العزيز والملك والساقي مستعبر الرؤيا. ومنها: انفراد السورة بما فيها من أخبار لم تتكرر في غيرها، ومنها أنها ذكرت جملة من الفوائد التي تصلح الدنيا والدين، كالتوحيد، والفقه، والسّير، والسياسة، والمعاشرة، وتعبير الرؤيا، وتدبير المعاش.ومعنى الآيات في مطلع سورة يوسف: التنبيه بحروف الر إلى إعجاز القرآن، وتحدّي العرب بالإتيان بمثله، ما دام مكونا من الحروف نفسها التي تتألف منها لغتهم، ويصوغون بها بيانهم الفصيح خطابة وشعرا ونثرا. والآيات التي أنزلت عليك أيها النّبي في هذه السورة آيات ظاهرة الإعجاز، وهي آيات القرآن البيّن في نفسه، الظاهر في إعجازه، الواضح الجلي الذي يفصح عن الأشياء المبهمة ويفسرها ويبيّنها، ويوضح الحلال والحرام، والحدود والأحكام، والهدى والبركة والنور.يقرر الله تعالى أنا أنزلنا هذا القرآن على النّبي محمد العربي الهاشمي، بلغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، لتتعلموا ما لم تكونوا تعلمون من قصص وأخبار، وآداب وأخلاق، وأحكام وتشريعات، ومناهج سياسة واجتماع واقتصاد، ولتتدبروا وتتأملوا ما فيها من معان وأهداف، تبني الفرد والجماعة على أقوم بنيان، وأثبت أساس.قال ابن كثير: فلهذا أنزل أشرف الكتب، بأشرف اللغات، على أشرف الرّسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة، فكمل من كل الوجوه.ثم يتابع الله إخباره لنبيّه بأنا نحن نخبرك بأحسن الأخبار، بسبب إيحائنا إليك هذا القرآن، الذي جاء تامّا كاملا، مفصّلا كل شيء، وجاءت قصة يوسف كاملة تامة، مفصلة، ذات أهداف سامية، وعبر كثيرة، وإن كنت من قبل ما أوحينا، أي من قبل إيحائنا إليك، من الغافلين عما عرّفناك به من القصص وأعلمناك من شؤون الأمم، أي من الجاهلين به، فلا علم لك به قط، شأنك شأن قومك، لا يعلمون من قصص الماضين وأخبارهم شيئا.إن قصة يوسف قصة جامعة، شاملة للدين والدنيا، والحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والأدبية الخلقية، الملأى بالعبر والعظات، ومن أهمها الصبر على الأذى، والعفو عند المقدرة.رؤيا يوسف عليه السّلام:قد تكون الرؤيا المنامية الروحانية عجيبة جدا، لا مثيل لها في الكتب المدونة، ويصعب تصورها في اليقظة والوجود الواعي، ومن الرؤى ما هو إخبار عن مشاهد ستقع حتما، أو تصورات عن كوارث مستقبلية، يستغربها الرّائي والسامع، ويتخوف منها صاحبها، إذ يرى ما لا تتصوره العقول البشرية أو الأفكار العلمية، لأنها غير خاضعة لموازين الحس الواقع أو الأمر المشاهد. ومن غرائب الرؤى ما رآه يوسف عليه السّلام في طفولته ليلة القدر، ليلة الجمعة، ثم تحققت رؤياه بعد أربعين سنة أو بعد ثمانين سنة.أخبر القرآن الصادق: كلام الله اليقيني عن رؤيا يوسف في هذه الآيات، فقال تعالى: